الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحاضرات ***
وكان يحدثناعن أسلافه أن ثلاثة من صلحاء الغرب قد جرب عندهم قضاء الحاجات: الشيخ عبد السلام بن مشيش، والشيخ أبو يعزى "يلنور" والشيخ أبو سلهام، غير أنهم اختلفوا، فالأول في أمور الآخرة، والثالث في أمور الدنيا، وأبو يعزي في الكل، نفعنا الله بهم وبأمثالهم. وقد ذكر غيره كالشيخ زروق أن هؤلاء الثلاثة أبا يعزى وأبا العباس السبتي وأبا مدين قد وقع الانتفاع بهم بعد الموت، وهذا بحسب ما اشتهر وانتشر، وإلاّ فالانتفاع واقع بأولياء الله كثيرًا في كل أرض. وقد شاهدت المولى أدريس بن إدريس رضي الله عنه أيام مقامي بمدينة فاس تِرْياقًا في كل ما أنزل به من حاجة. وحدثونا في درعة عن الشيخ سيدي أحمد بن إبراهيم أنه كان يقول لهم: إن سيدي أبا القاسم الشيخ وهو معروف هنالك يقضى عنده ما يقضى عند الشيخ أبي يعزى. وحدثني بمدينة مراكش الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي بكر الهشتوكي قال: رأيت ذات ليلة فيها يرى النائم أني دخلت مقام الشيخ أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي، فإذا هو جالس وهو يقول، من كانت له إلى الله حاجة فليأتنا، قال فلما أصبحت وكان أمير الوقت قد بعث إلى أهل المدينة أن يعطوا الرماة، وشق عليهم ذلك كثيرًا، وكان قوم قد ذهبوا إليه وعزموا أن يسعوا في إذايتي، فجئت أليه فقلت: إنك قلت كذا، وها أنا ذا قد جئت في هاتين الحاجتين، قال: فقضى الله الحاجتين معًا. وحدثني أيضًا الأخ الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد الهشتوكي قال: بلغني عن الفقيه سيدي عبد الواحد الشريف أنه حدث أصحابه فقال لهم: كنا خرجنا ونحن نفر ثلاثة لزيارة الشيخ عبد الخالق بن ياسين الدغوغي، فلما كنا ببعض الطريق قلنا: تعالوا فليذكر كل واحد منكم حاجته التي يريدها، قال: فأما أنا فقلت لهم: إني أريد كرسي جامع المواسين، وأما الثاني فقال: أريد أن أتولى الحكومة في البلد، وأما الثالث فقال: أريد محبة الله تعالى، قال: فزرنا، فأما أنا وصاحبي فقد تولينا ما طلبنا، وأما الآخر فبخروجه من مقام الشيخ تحرك وفغر فاه واستقبل البرية، فكان ذاك آخر العهد به، وقد قضى الله الحاجات كلها. وكانت أهلي أيام كنا بالزاوية البكرية قد تراخت عنها الولادة، فدخلها من ذلك غم عظيم، فأصبحت ذات يوم فأخبرت أنها رأت أنها ذهبت إلى مقام سيدي أبي علي الغجاتي، "فقالت فوجدته جالسًا وأنا في غاية العطش" فإذا حوله عين يرشح منها ماء قليلٌ. لا يغني، فقلت: يا سيدي ما هذا؟ جئت إليك عطشى رجاء أن أشرب، أفأرجع كما جئت؟ قال: لا، إن الماء ثمَّ، انبشي يخرج، فقالت: فنبشت بيدي فخرج الماء وشربت حتى رويت، وطلبت مني أن نزوره وأن نطعم عنده طعامًا ففعلنا، فولد ولدنا محمد الكبير أصلحه الله وأمتع به. ولما نزلنا بالزاوية المرةَ الثانيةَ مَقْفَلَنَا من حضرة مراكش كانت لنا بُنَيّةٌ عجزت عن النهوض وهي في سن من يمشي، فظنناها مقعدةً فذهب بها الخدم إليه وزوروها فقامت بالفور على رجلها تمشي، وأمثال هذه الأمور لو تتبعنا منها ما رأينا وما سمعنا لملأنا بها الدواوين.
نعم رأيت لبعضهم أن الولي إذا مات أنقطع تصرفه من الكون، وما يحصل لزائره مثلا إنما يحصل له على يد قطب الوقت بحسب درجة ذلك الولي، والله تعالى أعلم. لله الأمر من قبل ومن بعد. وكان أيضًا رحمه الله كثيرًا ما ينشدنا "لبعضهم": إذا لم يكن في منزل المرء حرة *** تدبر أمرًا نابه فهو ضائع وقوله في البيت حرة يحتمل أن يريد بها ضد الأمة لأن الحرائر مظنة العقل والتجربة والغناء والكفاية، والظاهر أن المراد أخص "من ذلك" وهي الكاملة الحرية، كما يقال لكامل الرجولية: فلان رجل، وذلك أن ليس كل حرة تكفي وتغني، بل رب أمة لبيبة أقوم من حرة، فالمرأة الصالحة الكيِّسة الصيِّنة هي التي تراد. وفي الحديث: «تُنْكَحُ المَرْأةُ لِديِنَها وَجَمَالِهَا وَمَالِهَا، فّاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ» «تَرِبَتْ يَمِينُكّ». وفي الحديث أيضًا: "الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأةُ الصَّالِحَةُ». وفي الحديث: «إنَّ المَرْأةَ الصَّالِحَةَ بَيْنَ النساءِ كَالْغُرَابِ الأعْصَمِ بَيْنَ الغِرْبَانِ» وذلك لعزة من تستكمل المعتبر من الأوصاف، أو لعزة الدين فيهن، فإنهن ناقصات عقل ودين. وروي عن نبي الله داود أنه قال لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني، إن المرأة الصالحة كمثل التاج على رأس الملك، وإن المرأة السوء كالحِمل الثقيل على الشيخ الكبير. 0وعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: النساء ثلاث: امرأة عاقلة مسلمة عفيفة هينة لينة ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقليلًا ما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك، وأخرى غُلّ قمل يجعله الله في عنق من يشاء، ثم إذ شاء أن ينزعه نزعه. وقوله غل قمل تمثيل، وأصله أن الأسير مثلًا يجعل عليه الغل فيبقى حتى إذا طال قَمِلَ أي دخله القمل فيأكله القمل في عنقه ولا يمكنه أن يزيل القمل منه ولا أن يزحزح الغُلّ من محله ما لم "من" أصله، فيلقى من ذلك عذابًا لازمًا، وكذلك المرأة إذا كانت سيئة الأخلاق أو ذميمة الخلقة أو جمعتها فالرجل يتأذى منها أذىً عظيمًا لازمًا، ما لم يطلقها، فالمرأة إذا كانت جميلة حسنة الشباب مليحة ألفها الطبع وشربتها النفس، فكان سيئها حسنًا، وذنبها مغفورًا كما قال أبو فراس: يُعد عليَ الواشياتُ ذنوبَه *** ومن أين للوجه المليح ذنوب ولا بد مع ذلك من كفاية بيتها، فإذا جمعت الحسن والدين والكفاية فهي الحرة المعدودة، والضالة المنشودة، وفي أمر النساء كلام يكثر، لا يفي به إلاّ تصنيف مستقل، وهذا يكفي في هذا المحل. "وكان يقول كثيرًا: لا تواكل من لا يواكل، ولا تجالس من لا يجانس". وكان يقول في حديثه بما سمع ممن لقي: إن الولي الصالح سيدي عبد العزيز بن عبد الحق الحرار المعروف بالتباع كان يقول لأصحابه، وهم سيدي سعيد بن عبد المنعم المناني الحاحي، "وسيدي علي بن إبراهيم البوزيدي" وسيدي رحال المعروف بالكوش: سعيد فقيهكم، وعابدكم، ورحال مجذوبكم، والغزواني سلطانكم، نفعنا الله بجميعهم آمين. وسمعته يحدث عن والده سيدي محمد بن أبي بكر أن شيخه سيدي محمد ابن أبي القاسم المعروف بالشرقي التادلاوي كان وقع بينه وبين ولده سيدي الغزواني كلام وعتاب إلى أن قال الولد: أنت ترزقني؟ فقال الشيخ نعم أنا أرزقك، فأعظم الناس هذا الكلام، قال: فقال الوالد: لا شيء في هذا، فإن الشيخ هو القطب في الوقت، والقطب تجري الأرزاق على يده، فصح بهذه الإضافة أن يكون رازقًا. لله الأمر من قبل ومن بعد.
وحدث عنه أيضًا قال: قدمت على الوالي الصالح سيدي عبد الله بن حسون دفين سلا، فقعدت إلى جنبه وقد مد رجليه، والأعراب يتساقطون عليه يقبلون يديه ورجليه، قال: فخطر ببالي أنه كيف أطلق هذا الرجل نفسه للناس هكذا؟ فلم يتم الخاطر إلاّ وقد قال: أيها الناس، رجل قيل له من مس لحمك لم تمسه النار، أو لم تأكله النار، أو نحو هذا فيبخل بلحمه على المسلمين؟ قال: فلما سمع كلامه وعلمت أنه خاطري تكلم تبت إلى الله تعالى في نفسي، فجعلت إذا مد إليه أحد كاغدا وكان يكتب الحروز، تلقفته من يده، وناولته الشيخ وقبلت يده، "فإذا كتبته أخذته منه وقبلت يده"، فيحصل لي في كل حرز تقبيلتان، قال: ورأيت عنده أمورًا أشكلت علي: منها أنه يؤتى بالثياب هدية وصدقة فيأمر بها فترمى في بيت وتبقى كذلك يأكلها السوس. ومنها أنه كل يوم يصبح عليه أهل الآلات فيضربون عليه. قلت: أما الثياب فالذي يظهر في أمرها أنه إما غيبة حصلت للشيخ عنها، وليس ذلك بمستنكر في أمثاله من المستهترين في ذكره، وإما خارج مخرج القلنسوة التي رمى بها الإمام الشبلي في النار، ومائة الدينار التي رمى بها في دجلة. وتأويل ذلك معروف عند أهل الطريق لا نطيل به. "وأما أمر الآلات فإما أنه كان يستنكر من تلك الأصوات أسرارًا ومعاني"، ونظيره ما حكى الإمام أبو بكر بن العربي في سراج المريدين عن الشيخ أبي الفضل الجوهري أنه بات بجواره ذات ليلة أصحاب الآلات فشغلوه عن ورده بما هم عليه من لهوهم وباطلهم، فلما أصبح وجلس في مجلسه قال: إنه بات بجوارنا البارحة قوم ملئوا مسامعنا علمًا وحكمة، قال أولهم: لي لي لي، فقال الآخر لي ولك لي ولك، فقال الآخر كذا، ومثل ذلك بمتناظرين، وجعل يقرر ذلك حتى قضى المجلس كله بأنواع من الحكم واللطائف والأسرار، وهذا من أعجب ما يتحف الله به أولياءه، فقد غيّبَهُ الله عن صورتها الباطلة وأشهده سره الباطن فيها. وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد وإما أن ذلك يوافق حالة له جمالية تحصر في الوقت، ومن هذا المنبع يقع الطرب وما يشهد من حالات أهل الوجد. وإما أنه يكون قطبًا فتناسبه النوبة الملوكية. وقل لملوك الأرض تجهد جهدها *** فذا المُلْكُ ملْكٌ لا يباع ولا يهدى لله الأمر من قبل ومن بعد.
ونحو هذا ما يحكى عن سيدي محمد الشرقي التادلاوي وأنه لما وقع له الظهور بعث إليه السلطان أحمد المنصور نفرًا من خواصه يختبرون أمره، فأضمر كل واحد منهم حاجة، فأحدهم قال: تركت جارية لي مريضة وأريد أن يخبرني بأمرها، وقال الآخر: أشتهي خبزًا خالصًا ودلاعة وذلك في غير مكان وغير إبان، فلما انتهوا إليه خرج إليهم في لباس رفيع فقال بعضهم: هذا لباس الملوك فكيف يكون هذا وليًا؟ فلما استقر المجلس بهم قال للمتكلم: أنا قطب وقتي، وهذا هو اللباس اللائق بي أو نحو هذا، وأخبر الآخر عن جاريته وأنها عوفيت، وكان رجل قد خبأ له دلاعة من الصيف، فأتاه بها ذلك اليوم، واستحضر خبزًا على الوصف فقال للمشتهي: تطلبت ما لا يكون فها هو ذا قد جاء الله به. وحدث أيضًا أن بعض الناس ممن كان مملقًا دوام حياته ذهب إلى سيدي محمد الشرقي المذكور فاشتكى إليه الفقر فقال له: اذهب فقد رفع الله عنك الفقر، قال: فذكر ذلك للوالد رحمه الله يعني سيدي محمد ابن أبي بكر. فقال: كلام الشيخ لا مطعن فيه، ولكن يا عجبًا أين يذهب الفقر عن فلان؟ فهذا لا بد له من مخرج، قال فلم يلبث ذلك الرجل أن مات عاجلًا، فكان ذلك هو ارتفاع الفقر عنه واستراحته منه. قلت: ومن معنى هذه ما حدثوا عن بعض الصلحاء مراكش القرباء العهد أنه جاءه إنسان فقال له: يا سيدي إن الصلاة تثقل علي، فعسى أن ترفعها عني فقال له "على الفور" "قم" قد رفعها الله عنك، فلم يقم إلاّ مجنونًا خارجًا عن التكليف، والله على كل شيء قدير. وقد شهدت أنا بعض الناس ممن كان ذا رياسة ودنيا فنكب وذهب ماله كتب معي كتابًا إلى أستاذنا الإمام ابن ناصر رضي الله عنه يشكو عليه بما نابه وما تخوف من العيلة والضيعة، فأجابه الأستاذ بكتاب وفيه: فلا تخشى الفقر، فاتفق أن مات ذلك الرجل عن قريب، فكان ذلك راحته مما خاف. لله الأمر من قبل ومن بعد.
حدثني الأديب الفاضل أبو عبد الله محمد بن المرابط الدلائي قال: كنت مع والدي رحمه الله، وأظنه قال في درب الحجاز نزولًا، فإذا بعجوز أعرابية مرت بنا وقد رفعت عقيرتها وهي تقول: حج الحجيج وناقتي معكولة *** يا رب يا مولاي حل عكالها بقاف معقودة على ما هو لغة العرب اليوم، قال: فقام أبي يهرول وراءها عجبًا بما سمع من كلام العرب في غير زمانه. والظاهر أنها أرادت بالناقة نفسها، وأنها لم تنشرح لهذا الأمر، أو أرادت تمثيل حالها في عدم التحرك بحال الناقة المعقولة أو حال من ناقة معقولة. ومثل هذه اللغة ما حدثني الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الجزائري قال: حج بعض الأشراف فلما وقف على الروضة المشرفة على ساكنها الصلاة والسلام قال: إن كيل زرتم بما رجعتم به *** يا أكرم الرسل ما نكولُ؟ بالقاف المعقودة، فسمع من الروضة بتلك اللغة: كولوا رجعنا بكلّ خير *** واجتمع الفرع والأصول لله الأمر من قبل ومن بعد.
وجدت في بعض التقاييد لبعضهم ما معناه: لو رأى أرسطو قدر البرنس في اللباس، والكسكسون في الطعام، والحلق بالموسى، لاعترف للبربر بحكمة التدبير الدنيوي وأن لهم قصب السبق في ذلك، انتهى. وقد كتب الكسكسون بالنون على ما وجدته مكتوبًا خلاف ما ينطق به الناس، وبالنون، حدثنا الرئيس الأجلّ أبو عبد الله محمد الحاج المتقدم الذكر قال: ذهب رجلان فاضلان من بلاد المغرب، وأظنه قال: أخوان، فدخلا بلاد الشام، فمرض أحدهما وطال به المرض حتى يئسوا منه، فرأى الآخر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أطعموه الكسكسون بهذه العبارة، قال: فاستصنعوه له فأكله فبرئ، وهذا إما خصوصية لهذا الطعام، أو بذكره صلى الله عليه وسلم، فيثبت له الشرف، ويستدرك بذلك ما قلته من كونه لم يأكله صلى الله عليه وسلم في حياته، وإما من باب ما تقرر من أن دواء الجسم عادته. قد دخلنا مدينة فاس -حرسها الله- عام تسع وسبعين وألف فأصابني إسهال مفرط، وطال "بي" وكان الطبيب بعثني بأمري، فلم يترك دواء يستحسنه إلاّ صنعه لي، فلما لم يفد ذلك أرسل في غيبة مني إلى عمالي يقول لهم: انظروا إن كان "ثم" من الطعام ما يعتاده في بلده فأطعموه، فذكروا الأقط واصطنعوا عليه طعامًا فأكلته فعافاني الله تعالى. وقد أصابني مرة أخرى ذلك فدخلت على السلطان رشيد ابن الشريف، وكان يكرمني ويجلني، فرأى تغيرًا في وجهي، فسألني فأخبرته فقال: وماذا صنعت من علاج؟ فقلت له: إن الطبيب يصنع لي شراب الريحان، فتضاحك ثم قال: سبحان الله! ما لنا ولشرب الريحان؟ وأين عهدناه؟ خذ سويق الشعير واخلطه بالماء فذلك دواؤه، ثم ضحك فقال: هذه مثل قصة العمراني الشريف، بات في ملوية عند بني فلان فجعل يقول: أعندكم شيء من شراب رمانتين؟ وهذا أعني التداوي بالشيء المعتاد، ولو في الأعراق أمر شهير واضح، وقد ذكره ابن الحاج رضي الله عنه في "المدخل" وذكر قصة الملك النصراني الذي مرض فأعيا الأطباء علاجه حتى جاء بعض أهل الخبرة فسأل أمه وقال: إن أردت أن يعافى ابنك فاصدقيني عنه، فقالت: نعم، كان أبوه عقيمًا، فلما خفت ذهاب ملكهم مكنت أعرابيًا كان عندنا من نفسي، فهو أبو الملك، فقال الرجل على الفور: علي بحوار فجيء به وذبح وشوي قدامه وهو يشم رائحته، فكان ذلك بإذن الله تعالى سبب برئه. وهذا من العجب، فإن هذا الملك الظاهر أنه ما أكل قط لحم الجمل، وإنما العروق نزعته فكيف بمن اعتاد أكل الطعام وربا عليه جسمه.
ومن أظرف ما وقع في هذا ما حدثني به الطبيب المذكور، وهو الفاضل أبو عبد الله محمد الدراق الفاسي، قال: "كنت" دخلت طنجة بقصد ملاقاة الأطباء ورؤية الشخص الذي صوّروه تعلّم التشريح معاينةً، قال: فكان بعض أطباء الروم هنالك يعجب من أكلنا الكسكسون المذكور ويضحك منا ويقول: إنما تأكلون العجين في بطونكم، قال: فبينما نحن كذلك إذ دخلت عليه يومًا فوجدته عند رأس مريض محموم شديد الحمى وهو يسقيه الخمر، قال: فقلت له: ما هذا الذي تصنع أنت؟ وأي مناسبة بين الخمر والحمى والكل في غاية الحرارة؟ فقال: إنها لن تضره لاعتياده لها، فإنه كان يرضعها من ثدي أمه، وهو طفل صغير، قال فقلت له: سبحان الله! ونحن هكذا كنّا نرضع ما تنكر من الكسكسون من ثدي أمهاتنا ونحن صغار، فأي شيء يضرنا؟ فقال: صدقت، ولم يجد ما يقول. ومن هذا المعنى اختلفت طباع الناس في الطعام باختلاف الإلف والعادة، فكلّ يستمرئ ما يألفه من الطعام ويشتهيه ويعاف الآخر، قال صلى الله عليه وسلم في الضب: «إنّهُ لَيْسَ بِأرْضِ قَوْمِي فَتَجِدُني أعَافُهُ». فعلل ذلك بكونه ليس في أرضه. ودخلت في أعوام الستين وألف مدينة مراكش عند رحلتي في طلب العلم وأن إذ ذاك صغير السن، فخرجت يومًا إلى الرحبة أنظر "إلى" المداحين، فوقفت على رجل مسن عليه حلقة عظيمة، وإذا هو مشتغل بحكاية الأمور المضحكة "للناس". فكان أول ما قرع سمعي منه أن قال: اجتمع الفاسي والمراكشي والعربي والبربري والدراوي فقالوا: تعالوا فليذكر كل منا ما يشتهي من الطعام، ثم ذكر ما تمناه كل واحد بلغة بلده، وما يناسب بلده، ولا أدري أكان ذلك في الوجود أم شيء قدره، وهو كذلك "يكون"، وحاصله أن الفاسي تمنى مرق الحمام، ولا يبغي الزحام، والمراكشي تمنى الخالص واللحم الغنمي، والعربي تمنى البركوكش بالحليب والزبد، والبربري تمنى عصيدة انلي وهو صنف من الذرة بالزيت، والدراوي تمنى تمر الفقوس في تجمدرت وهو موضع بدرعة يكون فيه تمر فاخر، مع حريرة أمه زهراء، وحاصله تمر جيد وحريرة. ولو عرضت هذه الحريرة على العربي لم يشر بها إلاّ من فاقة، إذ لا يعتادها مع الاختيار، ولو عرضت العصيدة على الفاسي لارتعدت فرائصه من رؤيتها، وهكذا. وأغرب شيء وقع في أمر الاعتياد ما حكي في جارية الملك الهندي مع الاسكندر "فإن الاسكندر" لما دوَّخ الملوك واستولى على الأقاليم احتال بعض ملوك الهند في هلاكه، وكانت عنده جارية بديعة الحسن كاملة الأوصاف، فجعل يغذيها بالسموم، ويتلطف لها حتى اعتادت ذلك، ثم تناهت إلى أن تطبعت بذلك وصارت مسمومة، فأهداها للإسكندر، وقصد بذلك أن يمسها فيهلك، وهذا غريب. وقد ذكر الأطباء هذه الحكاية فاستغربوا شأنها، وقد ذكرنا في اختلاف البلدان مع اختلاف طبائع الناس بها فيما مر ما يقرب من هذا المعنى ويرشحه. لله الأمر من قبل ومن بعد.
من كلامهم: ما أدري أو ودع، وهو "مذكور" في قِصَرِ الزيارة، ونحوه قولهم: ما سلم حتى ودع، وقال فيه الشاعر: بابي من زارني مكتتما *** خائفًا من كلّ حسٍّ جزعا حَذِرًا نَمَّ عليه نُورُه *** كيف يُخفي الليل بدرًا طلعا رصد الخلوة حتى أمكنت *** ورعى السامر حتى هجعا كابد الأهوال في زورته *** ثم ما سلم حتى ودعا وقال العباس بن الأحنف: سألونا عن حالنا كيف أنتم؟ *** فقرنَّا وداعهم بالسؤال ما أناخوا حتى ارتحلنا فما نفْ *** رِقُ بين النزول والتّرحال وقال محمد بن أمية الكاتب: يا فراقًا أتى بعقب فراق *** واتفاقًا جرى بغير اتفاق حين حطت ركابهم لتلاق *** زفت العيس منهم لانطلاق إن نفسي بالشام إذ أنت فيها *** ليس نفسي التي بالعراق أشتهي أن ترى فؤادي فتدري *** كيف وجدي بكم وكيف احتراقي وقال الحسين بن الضحاك: بأبي زور تلفت له *** فتنفست عليه الصُّعَدا بينما أضْحَكُ مسرورًا به *** إذ تقطعت عليه كمدا وكنت خرجت ذات مرة لزيارة أقاربي فلقيت أختًا لي، فبنفس ما سلمت عليّ جعلت تبكي، فقلت لها: ما يبكيك؟ أليس هذا وقت سرور وفرح؟ فقالت: ذكرت يوم فراقك، فقلت في ذلك: *** ومحزونة بالبين طال بها الجوى *** علينا وشوق بالجوانح لداغ تبيت وجفناها يباريهما الحيا *** وما تحت جنبيها من الفرش لداغ إلى أن تسخى الدهر بالوصل بيننا *** ولاح ضياء للمسرات بزاغ فلما انقضى التسليم ما بيننا بكت *** وفاض لها دمع من العين نشاغ فقلت: ألم يإنِ السرور ولم يدر *** شراب للقيان الأحباء سواغ فقلت: تذكرت الفراق غدًا فذا *** لقلبي عن تلك المسرات صداغ فيا لك من حزن يباري مسرة *** بسهمين كل في المناضل بلاغ ويا لك من نعمى ببؤسي مشوبة *** كما شاب بالدم المور نساغ بل الشر في الدنيا على المرء صائل *** لجوج عليه الدهر والخير رواغ على أن لطف الله للعسر دامغ *** كما الحق منه للأباطيل دماغ واعلم أن أمور الدنيا مشوبة خيرها بشرها، وحلوها بمرها، ثم هي متبدلة "متغيرة" لا تكاد تثبت في حد، ولا تقف على مركز، وحكمة ذلك شيئان: أحدهما أن الدنيا لما جعلت مقدمة للآخرة يقع فيها الاستعداد لدخول الجنة والنجاة من النار جعلت مظهرًا لما هنالك من نعيم وعذاب، ودالة عليه، ومذكرة له، وقاضية بالترغيب والتنفيير، فلم تجعل خيرًا محضًا، وإلاّ نسي العذاب، ولا شرًا محضًا، وإلاّ نسي النعيم، وأيضًا جعلت دالة على أوصاف الرب المنشئ لها، سبحانه، من جمال وجلال لتحصل المعرفة لعباده، وهذا كله كلام واسع الذيل لو بسطناه، والإشارة تكفي. الثاني أنها حادثة حادث ما فيها، وشأن الحادث أن يتبدل من عدم إلى وجود، ومن وجود إلى عدم، ذاتًا وصفة وحالًا، ومكانًا وزمانًا، فلزم من ذلك التحول من عز إلى ذل، ومن غنى إلى فقر، ومن ارتفاع إلى اتضاع ومن سرور إلى حزن، ومن صحة إلى سقم، وبالعكس في الجميع إلى غير ذلك. وفي الحديث: كانت العضباء، وهي ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم، معروفة لا تسبق، فجاء أعرابي على قعودٍ فسبقها، فقالوا، سبقت العضباء، وشق ذلك على المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللهَ لَنْ يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدّنْيَا إلاّ وَضَعَهُ». وقد جاء رجل إلى بعض الوزراء فقال له: إني رأيتك فيما يرى النائم طالعًا على رأس نخلة أو شجرة. ورأيت فلانًا يعني وزيرًا آخر كان يساميه في المرتبة أنه شرع في الطلوع ولم يصل بعد إلى أعلاها، وأراد بذلك أن يبشر الوزير ليستجديه فقال له الوزير، وكان ذا فطنة: يا أخي أذهب إلى فلان ليعطيك، فإنه في الزيادة، وأما أنا فقد انتهيت، وليس بعده إلاّ الانحطاط. وقد أذكرتني "هذه الحكاية" حكاية أبي عبد الله وزير المهدي، وكان متمكنًا في منزلته عنده، ثم إن الخليفة زاره في داره ذات مرة، وكانت زيارة الخليفة لخواصه في عرفهم ليس فوقها درجة تطلب، فلما همّ بالانصراف أخذ الوزير يدفع له من نفائس الذخائر ما يليق بتجهيزه، ثم جعل يبكي، فقال الخليفة: ما يبكيك؟ لقد علمت أن فيك بخلًا تسميه حزمًا، فإن كان لك ما أعطيت أعفيناك منه، فقال أبو عبد الله: والله ما بكيت للمال، وللهدايا كلها أحقر شيء في حقك، ولكن علمت أن زيارتك لي درجة ليس فوقها درجة ترام، فأخاف الآن من السقوط، فلما رأى ذلك أشفق وأعطاه من العهود والمواثيق أن لا يغدر به، ولا يسمع فيه قول قائل ما اطمأن به، فلم يلبث إلاّ أيامًا يسيرة حتى سعوا فيه، فنكب، وقصته مأثورة والعامة يقولون: ثلاثة ليس لها أمان *** البحر والسلطان والزمان وفي هذا المعنى الذي نحن فيه قيل: توقى البدور النقص وهي آهلة *** ويدركها النقصان وهي كوامل وإذا كانت الدنيا وما فيها عرضًا زائلًا لا ثبات له فلا ينبغي لعاقل أن يتبجح بخيرها ولا أن يجزع من شرها، بل إذا كان حلوها تتوقع بعد المرارة ومرها ترجى بعده الحلاوة فقد صار حلوها مرًا "ومرها حلوًا" وإذا كان المفروح به لا يبقى فهو بصدد أن يكون محزونًا عليه قل أو كثر، فكثرة الفرح بها إذن مقدمة كثرة الحزن، فلا ينبغي أن يلتفت إليه. وقال الشاعر: على قدر ما أولعت بالشيء حزنه *** ويصعب نزع السهم مهما تمكنا وقال الآخر: ومن سره أن لا يرى ما يسوءه *** فلا يتخذ شيئًا يخاف له فقدا فإن صلاح المرء يرجع كله *** فسادًا إذ الإنسان جاز به الحدا
وفي "الحكم العطائية": ليقلَّ ما تفرح به يقل ما تحزن عليه وذكر شارحها ابن عباد رضي الله عنه أنه حمل لبعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجواهر لم يُرَ له نظير، ففرح الملك به فرحًا شديدًا، فقال لبعض الحكماء عنده: كيف ترى هذا؟ فقال: أراه مصيبة وفقرًا، قال: وكيف ذلك؟ قال: إن انكسر مصيبة "لا جبر لها" وإن سرق صرت فقيرًا إليه ولم تجد مثله، وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر، فاتفق أن انكسر القدح يومًا فعظمت مصيبة الملك فيه وقال: صدق الحكيم، ليته لم يحمل إلينا، وقال الشاعر: ومن يحمد الدنيا لشيء يسره *** فسوف لعمري عن قريب يلومها إذا أدبرت كانت على المرء حسرة *** وإن أقبلت كانت كثيرًا همومها وفي "الحكم" أيضًا: إن أردت أن لا تعزل فلا تتولَّ ولاية لا تدوم لك. وهذا صادق في الولاية نفسها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم فيها: «نِعْمَتِ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ» وفي غيرها من كل ما يتناول الإنسان من الدنيا زائدًا على قدر الضرورة أو يصحبه من أهلها، فكل ذلك لا يخلو من علاقة بالنفس، ثم هو لا يدوم إما أن تفارقه او يفارقك، فمآله إلى الحسرة والأسف. وكنت في سفرتي إلى السوس الأقصى لقيني فقير من شبانه فصحبني أيامًا قلائل وأنس بي، فلما بلغنا المحل ودعته فرأيته يبكي على فراقي، وسمعته يقول: لا تعرف أحدًا، ويكرر هذا الكلام، أي إذا كنت أيها العاقل تعلم أن الذي دخل في قلبك سوف تفارقه فيتألم قلبك عليه فلا تسع في دخول أحد فيه بمعرفتك له، ولا تعرف أحدًا، واترك قلبك خاليًا مستريحًا. رأى الأمر يُفضي إلى آخرٍ *** فصير آخره أوَّلًا وهذا كله واد واحد والكلام فيه يتسع. نعم إن أمكنك أن تدخل في قلبك من لا يخشى عليه الزوال والهلاك والفناء فافعل، وليس ذلك إلاّ الحق تعالى، فمن أحبه فهو جدير أن يدوم محبوبه، ومن أنس به فهو جدير أن يدوم أنسه، ومن استعز به دام عزه، ومن استغنى به دام غناه، كما قيل: ليكن بربّك عز نفْ *** سك يستقرّ ويثبت وإن اعتززت بمن يمو *** ت فإن عزّك ميت لله الأمر من قبل ومن بعد.
دخلت مدينة فاس -حرسها الله تعالى- سنة تسع وسبعين وألف، إذ خربت الزاوية البكرية، فأقبلت طلبة العلم للأخذ عني، وتخلفت جماعة من المشاهير، وهم أو جهلهم محتاجون إلى المجلس، وكأنهم غلبهم ما هو المألوف من الطبع الآدمي في أمثالهم، وكنت آنست ذلك فيهم، فاتفق أن خرجنا لزيارة صلحاء الساحل، فلما انتهينا إلى مقام الشيخ أبي سلهام جلسنا على شاطئ البحر: في عشيّ كأنّما اختلسته *** من نعيم الفردوس نفحة لطف قد قطفنا به جَنَى جَنَّتي أن *** س وعلم أشهى اجتذاب وقطف وارتضعنا ألذ من كأس وصل *** بعد هجر من ذي وداد وعطف ولقد كان في الحشا جذوةُ الوجد فكان منهُ لذلك مطف *** فحصل للنفس ارتياح وانبساط، وتجدد لها عزم ونشاط، فكتبت ارتجالًا ما صورته: حافظته لما انقدح في الفكرة من الشعر، أذكره بحسب ما اتفق غثًا وسمينًا، "ورخيصًا وثمينًا" وجدًا وهزلًا، وصدقًا وإزْلًا حتى إذا آن لمضروبه الترويج، وبلغت بناته أوان التزويج، دفع الخالص الإبريز، وأحظيت الحسان بالتبريز، وكان الردي أولى أن يكسر أو يعطل، والدميمة منه أحق أن تُوأدَ أو تعضل، هذا وليت شعري، ماذا أكتب اليوم؟ وقد ضاع أكثر شعري: ليالي كان القلب في موكب الهوى *** على متن يعبُوب من اللهو سابق وكان الشباب الغضّ فيْنَانَ مُورقا *** فكانت رياض الغَيّ أزهى الحدائق وللنَفسُ إذ ذاك أقدر على القيل والقال، وأعرف بالسحر الحلال، فكنت إذ ذاك أقول الفذ والنتفة والقصيدة عن نشاط إلى القول وارتياح ثم ادع ذلك يذهب مدرج الرياح، ولم أستفق لتقييد، إلاّ وقد كدت أراهق التفنيد ويقصر من وسواس النفس باطله، ويعرى أفراس الصبا ورواحله: والقلب يرجو أن ترق شفاره *** وتطول في سبل الهدى أسفاره ويبين عن شرك الغرور نواره *** وتلوح في رتب العلى أنواره فيقل في سوق الصبا أوطاره *** ويشط عن وطن الهوى أقطاره
ولعمري إن النفس عند هذا أحق أن يجدّ في طلب الجد جدُّها، ويقف عند الأهم حدّها، فتبعد عن قول الشعر بمراحل، وعن سبل اللهو التي هي له أفراس ورواحل، ولكن للنفس فرطات، ولا بد لها أحيانًا من سقطات، فمن ذلك قولي: ما أنصفت فاس ولا أعلامها *** علمي ولا عرفوا جلالة منصبي لو أنصفوا لصبوا إليّ كما صبا *** راعي سنين إلى الغمام الصّيبِ ثم اثبت في هذه الحافظة ما وقع لي من الشعر في ذلك العهد، وهو مجموع في الديوان فلا حاجة إلى الإطالة به هنا، وإنما الغرض من ذكر هذين البيتين الواقعين على السبب الذي ذكرناه قبل، وأظن أن البحتري وقع له شبه هذا الشعر في ذم بغداد، ولكني لم أقف عليه بعد، ولم يطرق سمعي حين قلت ذلك وإنما رأيت بعد ذلك أبا العلاء المعري أشار إلى ذلك منتقدًا عليه حيث قال: *** ذمَّ الوليدُ ولم أذْمُم جوارَكمُ *** وقال ما أنصفت بغداد حُوشيتا فإن لقيت الوليد والنوى قذف *** يوم القيامة لم أُعدُمْه تبكيتا فلما رأيت هذا نبهت بهذا الكلام لئلاّ أنسب إلى الأخذ، فإن وقع شيء فمن توافق الخواطر، وفي البيت الثاني تلميح إلى قول الأعرابي في حسن الحديث: وحديثًا كالقطر يسمعه *** راعي سنين تتابعت جدبا فأصبح يرجو أن يكون حيًا *** ويقول من فرح هَيّا رَبّا وإنما استسهلت، وأستغفر الله، التمدح والافتخار لأن ذلك مباح في الشعر، مسلوك في سائر الأعصار والأمصار. لله الأمر من قبل ومن بعد.
وما ذكر من عدم الإنصاف سببه الكبر والحسد، وهما الداء العضال الذي هلك به إبليس، نسأل الله العافية، وذلك معجون في طينة الآدمي ومبتلى به إلاّ من طهره الله من أصفيائه، وقليل ما هم. ولم يزل ذو الفضل محسودًا، وكلما كثر الفضل كثر الحساد، فوجود الحساد دليل على وجود الفضل، وعدمهم على عدمه، فإذا قيل للشخص: كثر الله حسادك كان دعاء له، وإذا قيل: قلل الله حسادك كان دعاء عليه. وقد أكثر الشعراء من هذا المعنى قال الكميت الأسدي: إن يحسدونني فإني غير لائمهم *** قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهم *** ومات أكثرنا غيظا بما يجد أنا الذي يجدوني في صدورهم *** لا أرتقي صدرًا منها ولا أرِدُ وأنشد أبو علي الحاتمي في "حلية المحاضرة" بدل البيت الأخير: لا يبعد الله حسادي فإنهم *** أشر عندي من اللائي لهن الودد والظاهر أن قوله: "أشر" تصحيف من الكاتب، وإنما هو: "أحب". وقال عروة بن أذينة: لا يبعد الله حسادي وزادهم *** حتى يموتوا بداء غير مكنون إني رأيتهم في كل منزلةٍ *** أجل فقدًا من اللائي أحبوني وقال نصر بن سيار: إني نشأت وحسّادي ذوو عدد *** يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددًا إن يحسدوني على ما بي وما بهم *** فمثل ما بي لعمري جر لي الحسدا وقال معن بن زائدة: إني حسدت فزاد الله في حسَدي *** لا عاش من عاش يومًا غير محسود ما يحسد المرء إلاّ من فضائله *** بالعلم والظرف أو بالبأس والجود وقال أبو نواس: دعيني أكثر حاسديك برحلة *** إلى بلد فيه الخصيب أمير وقال الأول: لو كان يقعد فوق الشمس من كرم *** قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا محَسَّدون على ما كان من كرَم *** لا ينقص الله عنهم ماله حُسدوا وقال أبو تمام: وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ *** طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت *** ما كان يعرف طيب عرفِ العود واعلم أن هذا الشعر ونحوه يخيل استحسان الحاسد واستحباب وجوده بل كثرته، ولم يزل الناس يكرهونه ويتخوفون منه، ويستعيذون من شره، وقال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسدٍ إذَا حَسَدَ} فقد يقف القاصر على هذا فيحار، ولا يدري ما يختار، وفصل القضية في ذلك أن وجود الحاسد، كما مر، دليل على وجود الفضل، وذلك لما عرف أن الحسد هو حب زوال ما ظهر على الغير من خير، إما ديني أو دنيوي، حسي أو معنوي، عاجل أو آجل، حقي أو ادعائي فلزم من وجود الحسد وجود الخير.
ثم إن الحاسد إذا أحب زوال الخير فهو لا محالة يسعى في زواله، أو في إلحاق مضرة تذهب "بها" طلاوة ذلك الخير، ما لم يحجزه حاجز، وهذه مضرة تتوقع من الحاسد، فالحاسد خبيث شرير مضر. إذا علم هذا فمن استحب وجود الحاسد فلم يحبه لذاته، بل أحب ما يقارنه من الخير، لا من حيث إنه محسود عليه به من حيث كونه خيرًا، وإلاّ فيود الإنسان أن لو أعطي الخير وأعفي من الحساد، فإن ذلك أهنأ لعيشه، وأروح لقلبه، وأبعد له عن الأذاية والهول، ولم تَجْرِ حكمة الله تعالى غالبًا بذلك، إذ نعم الدنيا مشوبة بالنقم، وصفوها مشوب بكدر، فأمام كل عين قذى، وعلى كل خير أذى، فلما لم يكن بد من وجود الحاسد غالبا، كان وجوده مبشرًا بالخير معلمًا بالنعمة، فيفرح بوجوده لذلك لا لذاته. ومثاله في ذلك الذباب الواقع على الطعام، والفأر الناقب على المخزن فإنهما دليلان على الخير من حيث ذلك، حتى إنه يكنى عن البيت الخالي عن الخير بأنه لا تطور فيه فارة، فمن أحب وجود الذباب ووجود الفار فلم يحبهما لذاتهما، فإنهما مؤذيان مكروهان، بل لما يقارنهما من الخير، ولو وجد الإنسان الخير مع السلامة عنهما كان هو الغنم البارد البارد، ولم تجر بذلك الحكمة. وبلغني أن ناسًا من الجند قدموا من بلاد السودان أيام السلطان أحمد المنصور، وقاسوا في تلك الفيافي ما هو المعهود فيها من العناء وشظف العيش، فلما لحقوا بقرية من قرى السوس الأقصى خرج منها نفر من اليهود، فحين بصر بهم الجندي قال: مرحبًا بوجوه الخير، فاليهود بغضاء عند كل مسلم، ومع ذلك استبشر بهم الجندي التفاتًا منه إلى النعمة التي تقارنهم، إذ لا يزايلون غالبًا الحاضرة، ومحل الخصب والرفاهية، وهكذا الحاسد. وقد يكون في وجود الحاسد نعمة ولذة أخرى للمحسود إذا وقي شره، فإنه ينعم هو والحاسد يحترق على عينيه، وهو يزداد ظهورًا وشفوفًا، فيلتذ باحتراقه وإقصاره عنه وشفوفه عليه، ومن كره الحاسد فإنما كرهه لذاته، إذ هو منغص بما يبدو من أقواله وأفعاله، ولما يتوقع من شره وضرره، ولا شك أنه محذور، ولذا أمر بالتعوذ منه بالله تعالى، ولا دواء له هي مع الصبر أعلى ما يرى ويسمع، وبذلك ينعكس على الحاسد البلاء فيموت غمًا، قال تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} وقال الشاعر: اصبر على مضض الحسو *** د فإن صبرك قاتله فالنار تأكل نفسها *** إن لم تجد ما تأكله فائدة: من ابتلي بالحسد لشخص فعلاجه بإذن الله أن يكلف نفسه السعي في زيادة الخير على المحسود ولو بالدعاء له بذلك، فإنه إذ لازم ذلك ولو تكلفا سيثيبه الله تعالى من فضله انسلال السخيمة من قبله وسلامة الصدر، فإن بقي شيء فليغمه في صدره مع كراهته ولا يظهره ولا يسع في مقتضاه بقول ولا فعل فذلك لغاية ما يطلب منه والله الموفق. لله الأمر من قبل ومن بعد.
كنت في أعوام السبعين وألف قصدت إلى زيارة شيخنا البركة، وقدوتنا في السكون والحركة، أبي عبد الله محمد بن ناصر -سقى الله ثراه- فمررت ببلد سجلماسة فوجدت فتنة ثارت بين الطلبة فيها في معنى كلمة الإخلاص، فكان بعض الطلبة قرر فيها ما وقع في كلام الشيخ السنوسي من أن المنفي هو المثل المقدر، فأنكر عليه بعض من لهم الرياسة في النوازل الفقهية، وفصل الأحكام الشرعية، وليس لهم نفاذ في العلوم النظرية، وأخذوا بنحو ما أخذوا به الشيخ الهبطي في مشاجرته المشهورة مع أهل عصره، حتى امتحنوه بالسياط، فجعلت أقرر لأولئك المنكرين الكلمة بوجه يقرب بين المأخذين، ويصلح بين الخصمين، فلم يفهموا ذلك، وصمموا على ما طرق أسماعهم من أن الهبطي أخطأ في هذه المسألة وضل ضلالًا مبينًا، ثم وقعت هذه الفتنة "أيضًا" بمدينة مراكش عن قريب "من هذه" بين طلبتها حتى ضلل بعضهم بعضًا، فمن "أجل" ذلك ألفت كتاب "مناهج الخلاص، من كلمة الإخلاص"، كما نبهت على ذلك في خطبته، فجاء بحمد الله كافيًا في الغرض، شافيًا للمرض.
*** ثم رجعت في زورة أخرى بعد هذه فمررت أيضًا بسجلماسة فوجدت فتنة أبشع من هذه وأشنع وقعت لهؤلاء مع عوام المسلمين "ثم مع المسلمين" كافة، عامة وخاصة، وذلك أنهم نظروا في كلام من حرض من الأئمة على النظر في علم التوحيد، وحذر من الجهل فيه ومن التقليد، فجعلوا يسألون "الناس" عما يعتقدون، ويكلفونهم الجواب والإبانة عن الصواب، فربما عثروا على قاصر العبارة عما في قلبه، أو متلجلج اللسان لدهش ناله، أو جاهل بشيء مما يقدح في العقيدة أو يظنونه قادحًا وإن لم يقدح، فيشنعون عليه الجهل والكفر، ثم أشاعوا أن الفساد قد ظهر في عقائد الناس، وجعلوا يقررون العقائد للعوام، فشاع عند الناس أن من لم يشتغل بالتوحيد على النمط الذي يقررون فهو كافر، وشاع عندهم أن من لم يعرف معنى لا إله إلاّ الله أي النفي والإثبات على التقرير الذي يقرره العلماء فهو كافر، فدخل من ذلك على عوام المسلمين أمر عظيم، وهول كبير، فلما دخلت البلد جاءني الناس أفواجًا يشتكون من هذا "الأمر" وأن ليس كل أحد يبلغ إلى فهم تقارير العلماء فأقول لهم: إن الله تعالى إنما تعبدكم باعتقاد الحق في أنفسكم، أفلا تشهدون أن الله تعالى حق موجود؟ فيقولون: بلى، أفلا تعلمون أنه واحد في ملكه لا شريك له ولا إله معه وكل معبود سواه باطل فيقولون: بلى، هذا كله يقين عندنا لا نشك فيه ولا نرتاب، فأقول لهم هذا هو معنى كلمة الإخلاص المطلوب منكم اعتقاده، سواء عرفتموه من لفظها أو لا، فإن الكلمة عربية، والأعجمي لا حظ له في دلالتها، وإنما حسبه أن يترجم له مضمونها فيعتقده، وكذا العقائد كلها المطلوب منكم اعتقادها بالمعنى، ولا يشترط فهم ألفاظها التي يعبر "بها" عنها في كتب العلماء، ولا إدراك حدودها ورسومها التي تعرف بها. فإن فهم هذه العبارات والإحاطة بهذه الحقائق والتقريرات علم آخر لم يكلف به العوام، فإذا أجبتهم بذلك انطلقوا مسرورين حامدين شاكرين، ثم جاءني رئيس هذه الفتنة وسألني عن مسائل في هذا المنحى فأجبته، ثم تقدمت إليه بالنصيحة وقلت له: أكثر النحل وجل الطوائف الضالة إنما خرجت في هذا العلم، فإن أردت نفع الناس فقرر لهم العقائد بالقدر الذي يبلغون، وحدث الناس بما يفهمون، كما في الحديث الكريم ودع عنك هذه الامتحانات والتدقيقات والتشنيعات التي لم تجْرِ بها سنة أهل الدين في عصر من الأعصار، فإذا هو قد أشرب ذلك وتمكن فيه التظاهر به، وإذا تمييزه قد نقص عما كنت أعرف منه قبل ذلك، نسأل الله العافية. فتمادى على ذلك وأصفقت عليه العوام حتى سمعوا مقالته فيهم، وجعل يتغالى في تقرير العقائد وبيان وجوه المخالفة ونحوها على التفصيل بما لا حاجة إليه حتى يقع في ذكر ما هو سوء الأدب في حقه تعالى، وما لا يستطيع كل من في قلبه رائحة من عظمة الله تعالى أن يفوه به، ويحضر مجلسه أوباش الأعراب من جراوة ونحوها، فإذا رجعوا إلى قومهم ذهبوا بتلك المقالات وجعلوا يلقون على أمثالهم من الرعاع الأسئلة من هذا المنحى فيقولون لهم: أين بات الله؟ وأين يُصبح؟ وأين يظل؟ وأين هو؟ "وكيف هو"؟ إلى ما هو أبشع من ذلك مما لا أذكره، وقد نبهت على طرف من هذا المعنى في كتابي المذكور، ثم أشاعوا أن عوام المسلمين لا تؤكل ذبائحهم ولا يناكحون مخافة أن يكونوا لم يعرفوا التوحيد، فحدثني الفقيه المشارك الصالح أبو عبد الله مبارك بن محمد العنبري الغرفي -رحمه الله- أن أعرابيًا من هؤلاء الشيعة جاء مع قوم من بلد توات فكانوا إذا طبخوا زادهم وفيه الخليع يمتنع من الأكل معهم ويقول: إن الجزار الذي ذبح هذه البهيمة لا ندري أيعرف التوحيد أم لا؟ ولما دخل البلد جيء بطعام عليه لحم وجماعة من الأشراف حضور فدعوه للأكل فأمتنع وقال: إن العبد الذي ذبح تلك الذبيحة لا ندري أيعرف التوحيد أو لا؟ فقالوا له: ما ذبحها عبد، وإنما ذبحها المولى فلان الشريف منهم فامتنع أيضًا وبات طاويًا، ثم لم يقفوا في هذا بل انتهكوا حرمة عوام المسلمين ابتلاهم الله بانتهاك حرمة خاصتهم أيضًا، فتناولوا فقهاء وقتهم ووقعوا في أهل العلم والدين ومن هم على سنن المهتدين، وضللوهم إذا لم يضللوا العامة، فوقع لهم قريب مما وقع للكميلية من الروافض فإنهم كفروا الصحابة حيث لم يقدموا عليًا -كرم الله وجهه- ثم كفروا عليًا حيث لم ينازعهم في حقه، وكان أهل البلد اتبعوني وأنا في الطريق سؤالًا فيما هو من حكم الذبائح ونحوها في بطاقة فأجبتهم بما علم من دين الإسلام أن كل من تشهد شهادة الحق فإنه تؤكل ذبيحته، وتحل مناكحته، ويدفن في مقابر المسلمين ما لم يظهر منه ما يخالف ظاهره ونحو هذا الكلام، فلما بلغ إلى أولئك قالوا: سبحان الله! كنا نعرف فلانًا من العلماء، ثم هو يقتصر على مثل هذا الكلام ويكتفي "به" فلم يقع كلامي منهم موقعًا حيث اقتصرت على الحاجة وما هو الحق ولم أتعد إلى ما يشتغلون به من الفضول والضلال، وكانوا قبل هذه الفتنة تلمذوا لشيخنا الإمام ابن ناصر -رضي الله عنه- وأخذوا عهده، فلما لم يشتغل بما اشتغلوا به أنكروا عليه حتى وقعوا فيما يؤتى به إليه من الهدايا والصدقات، وفيما يذكره للفقراء من كلام الإمام الثعالبي، فإنه كان يحكي بسنده إلى الثعالبي أنه قال: من رأى من رآني إلى سبعة ضمنت له الجنة بشرط أن يقول كل لمن رأى أشهد أني رأيتك فيشهد له. فكان الشيخ رضي الله عنه يذكر ذلك على طريق الترجية، ولئلاّ يفوت المسلمين ذلك الخير إن حققه الله تعالى، فقالوا: هذا يوقع الناس في الأمن وفي الإعراض عن تعلم التوحيد مع أنه لا وثوق به فإن أمور المنامات لا تنضبط ولا يعول عليها، ثم برئوا من صحبته وكتبوا في ذلك كراسة، فقيض الله لها الشاب اللبيب الفاضل أبا العباس أحمد بن محمد بن السيد الشريف الحسني -رحمه الله ورحم سلفه- فتكلم عليها بما نقض أباطيلها عروة عروة، فلما انتهى إلى براءتهم من الشيخ كتب عليها ما معناه: إن هذه السلسلة المباركة الفاضلة يعني سلسلة الشيخ رضي الله عنه هي أمنع جنابًا وأطهر ساحة من أن يبقى فيها أمثالكم، فطهرها الله منكم، وقد اشتعلت فتنتهم حتى كادت تخرج إلى الآفاق كلها، ثم أطفأها الله تعالى بفضله فجاء الطاعون عام تسعين وألف فأجتث شجرتهم من فوق الأرض فلم يبقى لها قرار.
فائدة: أما السلسلة التي أشرنا إليها عن الإمام الثعالبي فإن شيخنا الإمام ابن ناصر -رضي الله عنه- يحدث بها عن شيخه الفقيه الصالح سيدي علي ابن يوسف الدرعي عن شيخه سيدي عبد الرحمن بن محمد من بني مهرة عن سيدي محمد بن محمد بن ناصر من أهل الرقيبة عن سيدي عبد الكبير وهو جد سيدي عبد الرحمن المذكور عن القطب الكبير سيدي عبد الرحمن الثعالبي أنه قال رضي الله عنه: من رآني إلى سبعة ضمنت له الجنة، وفي سلسلة كل واحد يقول لصاحبه: أشهد أني رأيتك، وأني رأيت والحمد لله الإمام ابن ناصر وأشهدته على ذلك، حققه الله لنا وللإخوان آمين. واعلم أن مثل هذا يذكر على طريق الرجاء كما أشرنا إليه، وهو أمر جائز لا يمنعه عقل ولا شرع، وذلك أن فضل الله عظيم لا يحد بمقياس وأولياء الله تعالى أبواب يخرج منها هذا الفضل، ولهم مكانة عند ربهم الكريم المتفضل، فأي شيء يستبعد في أن يعطي بعضهم الشفاعة في قرنه أو أكثر، أو أن من مسه لم تمسه النار كما في قصة ابن حسون، أو أن من رآه دخل الجنة، أو أن من رأى من رآه، إلى سبعة أو أكثر، هذا كله قريب. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في خبره عن أويس القرني -رضي الله عنه- أنه يشفع في مثل أو عدد ربيعة ومضر. وحدثني الثقة أن نفرًا من أصحاب ابن مبارك التستاوتي دخلوا على سيدي محمد الشرقي فقال لهم: أيها الفقراء، ما الذي قال ابن مبارك؟ فقالوا له: قد قال: أهل زماني محسوبون عليّ أو في ذمتي أو نحو ذلك، فقال سيدي محمد الشرقي: اشهدوا علينا إنا من أهل زمان ابن مبارك، فانظر إلى هذا الإنصاف وهذا التسليم، فكذا يجب التسليم لمن وقع منه شيء من هذا من أهل الصلاح والدين، ويظن به الخير ويحصل الرجاء ولا يوجب ذلك أمنًا من مكر الله والاستغناء عما يجب تعلمه أو العمل به، بل التكليف باق بحاله، والخوف والرجاء بحالهما. وقد شاع عند هذه الطائفة الغازية أن الشيخ قد أخذ من الله تعالى عهدًا أن لا يسوق إليه إلا المقبول، ولم يوجب لهم ذلك أمانًا ولا غرورًا إلا أن يشذ جاهل فلا التفات إليه. وأما الهدية من الأخ في الله فهي مباحة في الجملة، بل هي محسوبة في الفقه من وجوه الحلال، فإن عرض عارض في المعطى أو في وجه الإعطاء فالآخذ أعرف بما يأتي وما يذر. ثم أحوال الصوفية في قبول الفتوح مختلفة تبعًا لما اقتضته الواردات، والتحفظ عن الآفات. وهي في كل من الأخذ والترك كما قال الأستاذ السري للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما: احذر آفة الرد كما تحذر آفة الأخذ، وكل من عرف بصحة العلم والعمل ومتانة الديانة كشيخنا المذكور فأمره موكول إلى دينه، ولا سبيل إلى الانتقاد عليه، والله الموفق. لله الأمر من قبل وبعد.
كنت ذات مرة اشتريت رمكة من رجل صحراوي أسود شديد السواد، فظهر فيها عيب وتعذر إثبات قدمه لترد، فأدى الأمر إلى موتها منه وتلف الثمن، فأقبل رجل من قومي والمشترى منه عندي ونحن نتكلم في المسألة، فلما بصر بالمشترى منه قال: سبحان الله؟ كنت أعجب من أين جاء هذا الخسران؟ فإذا أنت تعامل الغِرْبان، ألم تعلم أنا لا نعامل مثل هذا حتى إنا لا نزجر الكلب الأسود عنا إذا مرّ بنا لئلا يقع خطاب منا أليه فكيف بغيره؟ وجعل يتأسف من خسران الثمن ومن معاملة ذلك الشخص، وجعلت أنا أضحك من عظمة الدنيا في عينيه ومن تحكيمه الأمور العادية، وكان قومنا -كما قال- يفرون من السواد فلا يلبسون ثوبًا أسود ولا يركبون فرسًا أدهم وهكذا.
واعلم أن هذه الأمور العادية يضل فيها العامة والقاصرون من الخاصة، أما العامة فإنهم إذا رأوا شيئًا عند شيء نسبوه إلى ذلك الشيء وغفلوا عن الله تعالى ولم يعلموا أن الله تعالى هو الفاعل وحده ولا تأثير لشيء من الكائنات بحال، فوقعوا في الشرك وفاتهم التوحيد، وأما القاصرون من الخاصة المعتقدين لانفراد المولى تعالى بالفعل وأن لا شريك له فإنهم يجرون على هذا المعنى وينكرون حكمة الله تعالى في أرضه وسمائه، فإذا قيل لهم: إن هذا الشيء يكون عند وجود هذا السبب قالوا: هذا لا معوَّل عليه، فإن السبب لا تأثير له، ووجوده وعدمه سواء. وهذا أيضًا جهل عظيم، فإن الله تعالى كما أنه قادر مريد لا شريك له كذلك هو حكيم يفعل أشياء عند أشياء ويرتب أسبابًا ومسببات حكمةً منه تعالى ورفقًا بعباده في تأنيس نفوسهم بالأسباب المشهودة، فإن افيمان بالغيب وانتظاره عسير عليها وابتلاء لهم ليتيميز من انخرقت له الحجب فأبصر الحق، ومن حجب بها فتاه في أودية الضلال. نسأل الله تعالى العافية. ألا ترى إلى ما جعل تعالى لعامة الخلق من الشبع عند الأكل والري عند الشرب، والتدفي عند اللبس، والراحة عند الركوب، واللذة المخصوصة عند الوقاع، وهكذا مما لا يحصى، وكل ذلك يجوز من الله تعالى أن يخلقه بلا شيء. فهل ينكر أحد من العقلاء هذه الحكمة فيقول مثلًا: إن الطعام لكونه لا تأثير له وجوده وعدمه سواء، ويستجهل من يأكل ليشبع، وكذا ما جعله الله تعالى من المنفعة في الأدوية والعقاقير وما لها من الخواص، وألهم ذلك الأطباء وأهل التجاريب، فهل ينكر أحد ذلك؟ وكذا ما نحن فيه من كل أمر جرت العادة بوجود شيء عنده فلا ينكر بل يعتقد حكمة من الله تعالى مع صحة التوحيد، وهو أن لا ينسب إليه أثرًا أكثر من أن وجوده سبب لبروز القضاء الأزلي عنده لا به، فمن نسب إلى شيء دون الله تعالى تأثيرًا في وجود شيء أو عدمه فهو مشرك، ومن أنكر الحكمة المودعة في قوالب الكائنات فهو جاهل أعمى البصيرة، ولو لم يكن إلاّ جموده عن إدراك ما جرت به العادات وأفضحت به التجريبات لكان أمرًا سهلًا، ولكنه إنكار لحكمة المولى سبحانه وبديع تصرفه في الكائنات الدال على إحاطة العلم والمشيئة بالمصالح والمنافع والمضار وعظمة الملك، فهو ينظر بإحدى العينين دون الأخرى، فمتى حكم التجريب مثلًا بأن يومًا من الأيام لا يسعد بحاجة من سافر فيه أو تزوج أو أخذ في سبب من الأسباب أو أنه يسعد فلا نبادر إذا سمعنا ذلك بإنكاره، ونقول قد أشرك مع الله تعالى، بل لا بأس بالاعتراف بذلك واعتباره عادة مع سلامة العقيدة من نسبة التأثير لليوم أو غيره من سائر الكائنات، والناس في نحو هذا ثلاثة: شخص يعتبره أخذًا وتركًا مع الغفلة عن الله تعالى، إما مع نسبة التأثير إلى السبب وهم المشركون، وإما بلا نسبة ولكن استغراقًا في الركوب إلى الأسباب والالتفات إلى الأغيار، وهو من الغافلين، وشخص لا يعتبره أصلًا استغراقًا في التوحيد والتوكل على الله تعالى والفناء عن الأسباب لا إنكارًا للحكمة، وهذا لا بأس به، وإذا صح توكله وتجرده عن الأسباب فذلك سبب لنجاته بفضل الله تعالى من مقتضيات العادة حتى إنه لو ألقم الحية رجله لم تضره، فإنه لما خرق العادة على نفسه بحسمها عن المألوفات وتجريدها عن الرعونات خرق الله تعالى له العادة بإعفائه عن جري العادات وما تقتضيه بإذن الله الأسباب الحادثات، وشخص يعتبر ذلك تأدبًا مع الله تعالى في مراعاة الحكمة الجارية مع صحة العقيدة وصحة التوكل على الله تعالى عند الأسباب لا على الأسباب وهذا هو الكامل. وكان صلى الله عليه وسلم يعالج ويستعمل الرُّقي وقد يكون من ذلك ما هو خفي يكون اعتباره تعمقًا في الأسباب فيترك، وجعل بعض الأئمة من هذا نهيه صلى الله عليه وسلم الأمة عن الكي مع الاعتراف له بأنه سبب من الأسباب. إذا علم هذا كله فكل ما ورد من نصوص الشريعة وأقوال أهل الدين وفعلهم يتنزل على هذا، وبما قررنا يعرف عذر من اعتبر شيئًا من ذلك وعذر من لم يعتبر. وفي الحديث: «لا عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ» فالحق عندنا في تأويله "أنه" إثبات لانفراد المولى جل وعز بكل التأثير، وأن لا تأثير لشيء مما يتوهم العرب أنه مؤثر، لا في باب العَدْوى ولا في باب الطِّيَرَة. لا انه نفي لما جرت العادة بوجوده عند ذلك بإذن الله تعالى، وهذا هو الجمع بين التوحيد والحكمة، وهو جمع بين الحقيقة والشريعة في المعنى، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأسَدِ» وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلى مُصِحٍّ» أي ذو الإبل المريضة على ذي الإبل الصحيحة يحتمل معنيين: أحدهما "أنه" سدّ للذريعة بمعنى أنه ترك ذلك مخافة أن يقع شيء "بإذن الله" فيظن من وقع له أو غيره أنه ناشئ عن ذلك السبب فيقع في الشرك، الثاني أنه إثبات لما جرت به العادة من حكمة الله تعالى كما قررنا، فيعتبر ذلك شرعًا ولو لم يكن إلاّ تنزهًا عن تغيير القلوب وآية الناس. وفي الحديث أيضًا: «اطْلُبُوا الخَيْرَ عِنْدَ حِسَانِ الوُجُوهِ» وهو يحتمل أمورًا: الأول: "اطلبوا الخير" عند الناس الحسان الوجوه فإن الخير مقرون بهم، وهذا من نمط ما نحن فيه. الثاني: اطلبوا الخير منهم فإنه يصدر عنهم الخير بإذن الله تعالى، إذ حسن الخَلْق عنوان حُسْنِ الخُلْق كما تقرر في الفِراسَة الحكمية وهو قريب مما قبله. الثالث: اطلبوا الخير عندهم ومنهم، فإن النفس تنبسط إليهم وتتمتع برؤيتهم، وفي الحكمة: اعتمد بحوائجك إلى الصباح الوجوه، فإن حسن الصورة أول نعمة تلقاك من الرجل. الرابع: اطلبوا الخير أي الرزق عند الوجوه المُستحسنة "شرعًا" كالبيع والتجارة والقراض والهبة والصدقة وسائر الوجوه الحِلّيّة دون السرقة والغصْب والخيانة ونحو ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «إذَا أبْرَدْتُمْ إلَيَّ بَرِيدًا فَأبْرِدُوهُ حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الاسْمِ» وهو أيضًا يحتمل أنه لمجرد النظر أو لزائد على ذلك، ولهذا بعث الله الأنبياء ولا سيما نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة. وفي ترجمة الإمام الشافعي رضي الله عنه: كان يتجنب أهل العاهات والناقصين خلقة، وكان يقول: احذروا الأعور "والأحول" "والأعرج" والأحدب، والأشقر، والكوسج، وكل من به عاهة في بدنه فإن فيه التوّى ومعاشرته عسيرة. ومن غريب ما وقع له في ذلك أمران: الأول أنه حكى أنه بعث رجلًا من أصحابه ذات مرة ليشتري له نوعًا من العنب معروفًا، قال الرجل: فذهبت فلم أجده إلاّ عند رجل من هذا الجنس، إما أشقر أو أزرق قال: فأتيته به، فلما طرحت الطبق بين يدي الإمام قال: أين وجدت هذا؟ قلت: عند فلان، وكان يعرفه، فقال: أردد إليه عنبه، قال: فقلت: يا أبا عبد الله، إن لم ترد أن تأكله أكله غيرك، فقال: ما أحب أن تتم المعاملة بيننا وبينه، فانظر في هذا، ولا تظن أن الإمام به حب الثمن يسترده ولا يتصدق بالعنب، كلاّ، فإن جوده قد طبق الآفاق، وهو الذي وضع بين يديه عشرة آلاف خارج مكة، فكل من سلم عليه يعطيه حتى لم يقم إلاّ وقد فرغت، وإنما الحامل له على ما قال ألاّ تتم المعاملة بينه وبينه، والظاهر من القصة أن الرجل المبعوث قد اشترى العنب شراء بَتًّا، وهو العادة في مثل ذلك، ففسخ العقدة إن لم يكن فضلًا من البائع إنما هو أن يدعي أنه من مثل ذلك الشخص عَيب، وهذا نهاية هذا الأمر، وليس بعجب، فقد حكي عن بعض القضاة من السلف أنه رد فرسًا على بائعه بشية قد عيبت فيه.
الثاني أنه حكي عنه أنه كان في بعض أسفاره مر برجل من هذا الجنس، فقام الرجل إليه ورحب به ترحيبًا بالغًا، واستدعاه للنزول والتضييف بغاية الاستحثاث، فنزل رضي الله عنه فبالغ الرجل في ضيافته وإكرامه مع غاية التاديب معه وتبجيله والبر به، فلما رأى الإمام ذلك قال في نفسه: سبحان الله! "مثل هذا" الخير لا يصدر عن مثل هذا الشخص بما تقرر الحكمة في أمثاله، وهذا الإنسان ينقض علينا القاعدة، فاغتمّ لذلك وبات مغمومًا متحيرًا فلما أصبح وتهيأ للرحيل لم يشعر إلاّ وقد ناوله الرجل سجِلًا فيه مكتوب كل ما أكل وكل ما انتفع به عنده، مقومًا بقيمة مضاعفة وقال له: ادفع لي ما أكلت، وإذا هو رجل صاحب مكر واحتيال على الناس بالضيافة ليتجر فيهم، فعند ذلك سُرِّيَ عن الإمام رضي الله عنه وعلم أن القاعدة لم تنخرم، فوزن له ذلك عن طيب نفس وسرور بصحة القاعدة، انظر الأمثال الحديثة. ودخل الشعبي سوق الرقيق فقالوا له: هل من حاجة؟ فقال: حاجتي صورة حسنة أتنعم بها، يلتذ بها قلبي، وتعينني على عبادة ربي، وكأنه يتذكر ما عنده والتشويق إليه. وأدام "النظام" النظر إلى جارية حسنة فقال مولاها: لم؟ فقال: ما لي لا أتأمل منها ما أحل الله، وفيه دليل على حكمة الله واشتياق إلى ما وعد الله. وقال الراجز: ثلاثة تجلو عن القلب الحزن *** الماء والخضرة والوجه الحسن وقال إسحاق الموصلي: لا أشرب الراح إلاّ من يدي رشأٍ *** تقبيل راحته أشهى من الراح ولا بد من التنبيه في هذا الباب لأمور: منها أن هذه الأسباب الحكميّة قسمان: قسم ظاهر، وهو ما يرجع إلى قوام الإنسان في معاشه غذاء ودواء، مباشرة أو بواسطة قريبة أو بعيدة كما في التمثيل ببعضه، وقسم خفي، وهو ما لم يصل إلى تلك المنزلة بذاته، وإن كان له بها مساس، فالأول لا ينكر على من يتعاطاه لوضوحه، والثاني هو الذي يقع فيه الإنكار كما مرّ كل ذلك. ومنها أن الأمر العاديّ كما أنه لا تأثير فيه إلاّ لله تعالى كذلك لا ارتباط فيه عقلًا، وإنما هو أمر يجعله الله تعالى وتستمر عادته تعالى به اختيارًا منه، ومتى أراد أن يخرقه خرقه، كما شوهد ذلك في منجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وسحرة السحرة، فكل ذلك خرق من الله تعالى لحكمة كما أجراه أولًا لحكمة: وقد أخرج أهل الحيرة السم القاتل للسيد خالد بن الوليد رضي الله عنه طمعًا منهم في أن يقتلوه، فلما علم به أخذه فسمى الله تعالى وأكله، ولم يضره شيئًا ولا يحصى كم من عابد بقي حيًا بلا طعام ولا شراب. ولما حاصر المعتصم عمورية نهاه المنجمون أن يتقدم لقتالهم في ذلك اليوم، فلما بلغ ذلك بعض أهل الدين في عسكره دخل عليه فقال له: دع النجومَ لطرقيَّ يعيش بها *** وقم لوقتك وانهض أيها الملك إن النبي وأصحابَ النبي نهوا *** عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا فنهض إليهم لوقته ففتح عليه. وأصل هذا ما في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إثر سماء وقعت: «أتَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولَهُ أعْلَمُ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالى: أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ، فَأمّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَذَاكَ مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ. وَأمّا مَنْ قالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ» وهذا هو الذي قررناه قَبْلُ من تحقيق التوحيد وليس فيه إنكار العادة الجارية. والنوء عند العرب أن يطلع نجم، وقيل: أن يغرب، وهو الأصح "فيقع وهكذا" وقد أجرى الله تعالى عند طلوع النجوم وعند غروبها وعند اقتران بعضها ببعض أمورًا كثيرة في المملكة اختبارًا منه تعالى، ونبه إليها من شاء من عباده فحصل لهم علم الأنواء، وعلم الاقترانات وسائر علم التنجيم، وهي كلها عادات جارية بإذن الله تعالى، والمتنبهون إليها لمعتبرون لها منهم من آمن ومنهم من كفر، والمقياسُ الحديثُ السابقُ على ما مرّ من تفصيل أحوال الناس.
ومنها أنه قد يعد من هذا الباب ما ليس منه مما يرجع إلى مجرد تخيلات ووساويس، ولم يظهر فيه حكمة منوطة ولا عادة صحيحة جارية، وأكثره يكون بتسلط شياطين يعبثون بمن يتوهم ذلك، فلا يلتفت إلى هذا النوع بوجه من الوجوه، ولا سيما إن أبطل سنة وعارض حكمًا شرعيًا كالذي يقول: إني جربت أني متى أعرت أو سلفت أو تصدقت أو أضفت ضيفًا تصيبني مضرة، فهذه شيطانية. وقد حكي عن بعض الناس أنهم ما يذبحون الضحية، وأنهم متى ذبحوها أصابتهم مصيبة، فلما اعتادوا ذلك تركوها، فتمادوا على هذا الضلال حتى انتهى الأمر إلى رجل منهم موفق فقال: والله لا أترك السنة ولأضحيَنّ، فلما ضحى يبِسَتْ يده اليمنى فقالوا: هذا الذي حذرناك، فقال: لا أبالي، فلما أتت الضحية من قابل ضحّى أيضًا فيبست يده الأخرى، فلما ضحى الثالثة يبست رجله، ولما ضحى الرابعة يبست رجله الأخرى، ولما ضحى الخامسة انطلق ولم يبق به بأس "وانقطعت تلك العادة الباطلة" وتبين أنه شيطان يعبث بهم ويفسد عليهم دينهم.
|